الرئيسية / من / قصص وعبر / الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها) – محمد علي المعلم 3

الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها) – محمد علي المعلم 3

إلي لا إلى المرجئة، ولا إلى القدرية، ولا إلى المعتزلة، ولا إلى الزيدية… ففرح هشام لأنه ظفر ببغيته حيث أخبره الإمام بما انطوت عليه نفسه، وتلك من أمارة الإمامة وعلائمها، ووجه له هشام السؤال الآتي:

– جعلت فداك مضى أبوك؟
– نعم.
– مضى موتا؟
– نعم.
– من لنا بعده؟
– إن شاء الله أن يهديك هداك.
– جعلت فداك إن عبد الله أخاك يزعم أنه الإمام بعد أبيه.
– عبد الله يريد أن لا يعبد الله.
– من لنا بعده؟
فأجابه مثل جوابه الأول وطفق هشام يقول:
– أفأنت هو؟
– لا أقول ذلك.
وأخطأ هشام في حديثه، والتفت إلى خطله فقال:
– عليك إمام؟
– لا.
فداخله من الإكبار والإجلال ما لا يعلم به إلا الله، ثم قال له:
– جعلت فداك، أسألك عما كنت أسأل به أباك؟
– سل ولا تذع، فإن أذعت فهو الذبح.

ثم وجه إليه أسئلة كثيرة، فإذا به بحر لا ينزف لكثرة علمه وفضله، وانبرى بعد معرفته ووثوقه بإمامته قائلا:
– جعلت فداك شيعة أبيك في ضلال، فألقي إليهم هذا الأمر

وأدعوهم إليك فقد أخذت علي الكتمان؟
– من أنست به رشدا فألق إليه وخذ عليه الكتمان، فإن أذاع فهو الذبح – وأشار بيده إلى حلقه -.
ثم خرج وهو ناعم الفكر مسرور القلب بما ظفر به، فبادر إليه صاحبه قائلا:
– ما وراءك؟
– الهدى.
ثم حدثه بالأمر… وأقبلت جماهير الشيعة تترى أفواجا نحو الإمام وهي تعقد له الولاء والطاعة وتعترف بإمامته… (1).

وتلا المنصور ابنه المهدي على دست الحكم، وقد ذكر الباحثون أنه ورث من أبيه المنصور العداء للعلويين وشيعتهم، فقد أترعت نفسه بالبغضاء والكراهية لهم، وكان يغري الشعراء ويغدق عليهم من أجل هجاء أهل البيت (عليهم السلام)، والحط من شأنهم، والتقليل من أهميتهم، وذكروا عنه أنه أرعب الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام) حيث أمر باعتقاله وإرساله من المدينة إلى بغداد، وكاد أن يقتله لولا أن العناية الإلهية حفظت الإمام (عليه السلام) من بطشه.

حتى إذا جاء عهد موسى الهادي ابتدأت سلسلة أخرى من المآسي، لقي منها أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم الأمرين، وعلى الرغم من أن عهده كان قصيرا كعمره، إلا أنه كان ثقيلا مجهدا واجه فيه أهل


(1) حياة الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام) ج 1 ص 418 – 420

البيت (عليهم السلام) وشيعتهم أعنف الرزايا وأكثرها محنة وصعوبة، فسفكت دماؤهم وانتهكت حرماتهم وهدرت كرامتهم، بما لا مجال لوصفه وبيانه.

وقد ذكر المؤرخون أن في عهد موسى الهادي حدثت واقعة فخ التي ضارعت حادثة الطف في كيفيتها وأسماء أشخاصها، وبعض آثارها، وما جرى فيها.

وأما عهد الرشيد فكان أسوء عهد مر على العلويين والشيعة، فقد قابلهم منذ بداية حكمه بكل قسوة وجفاء، وصب عليهم جام غضبه، وأقسم على استئصالهم وقتلهم، فقال: والله لأقتلنهم – أي العلويين – ولأقتلن شيعتهم (1).

وأمعن الرشيد في التنكيل بالعلويين وشيعتهم، وذكرت المصادر أنه كان يتتبعهم بشتى الوسائل، ويحتال لقتلهم بمختلف الطرق، وكان يرى أن بقاء ملكه وسلطانه لا يستقر إلا بإبادتهم.

لقد كان الرشيد شديد الوطأة على عترة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكانوا على علم بمقته وبغضه لهم، فحينما علموا بخلافته هاموا على وجوههم في القرى والأرياف متنكرين لئلا يعرفهم أحد، قد أحاط بهم الرعب والفزع، واستولى عليهم الخوف والإرهاب، وكان في طليعة من لقي العناء من أهل البيت (عليهم السلام) الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام)، فقد فرض الرشيد عليه رقابة صارمة، ترصد عليه تحركاته وسكناته، حتى ثقل عليه وضاق


(1) حياة الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام) ج 2 ص 74.

به ذرعا، فغيبه في سجون البصرة وبغداد، ينقل من سجن إلى آخر، وكان آخرها سجن السندي بن شاهك حيث قضى الإمام (عليه السلام) مسموما (1).
وقد تمخض عن ذلك تفرق سلالة الإمام الكاظم (عليه السلام) وانتشارهم في مختلف البقاع، ولم يكن هذا الأمر خاصا بأولاد الإمام (عليه السلام)، بل كان عاما لجميع العلويين وشيعتهم، نعم كان أبناؤه (عليه السلام) من أكثرهم محنة وأشدهم ابتلاء.
وكان من آثار ذلك أن ذهب بعضهم في طي النسيان، فلم يعرف له عقب أو مكان، إذ كان بعضهم يخفي نسبه خشية أن يفاجأ بما يودي بحياته، كما كان من نتائج ذلك أيضا بروز ظاهرة التقية التي فرضت على أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم فرضا لم يجدوا مناصا عنها، طلبا للنجاة، وبحثا عن الأمن والأمان.
وقد انعكست مسألة التقية على جميع مظاهر سلوكهم في عباداتهم ومعاملاتهم، ونشأ من ذلك ما يمكن أن يعبر عنه بالفقه الوقائي الذي يعنى بهذه الحالة عند تحقق موضوعها كما بينها الفقهاء، واستندوا في ذلك إلى ما رسمه الأئمة (عليهم السلام) الذين عانوا من تلك الظروف القاسية التي مرت بهم مستثنين منها بعض الموارد حيث تكون المواجهة هي الحل، وقد حددها الفقهاء وضبطوها في دراساتهم الفقهية.
على أن موضوع التقية لا ينحصر بالشيعة الإمامية وحدهم، بل هو أمر


(1) حياة الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام) ج 2 ص 485 – 520.

يعود إلى تأمين الحماية والوقاية من الوقوع في الخطر الذي يتهدد الحياة.
وبعبارة أخرى: إن مسألة التقية قضية فطرية تستوجب درء المخاوف عن النفس، وفق ضوابط محددة مدروسة، مع الاحتفاظ بالثوابت وصيانتها، وليست هي انسلاخا عن المبدأ وإلغاء للمعتقد، وهي عملية موقتة تعالج ظرفا طارئا ليعود الإنسان بعدها إلى طبيعته الأولى التي كان عليها في سلوكه (1).
ومن خلال ذلك يمكننا أن ندرك أن ما يقوم به خصوم الشيعة من الحملات والتشنيع عليهم في أمر التقية ما هو إلا استغلال لظروف الشيعة الصعبة والتشهير بمحنتهم، وإلا فلو أن هؤلاء عانوا بعض ما عاناه الشيعة لحملوا لواء التقية عاليا، وما يدرينا لعلهم يتقون في بعض أعمالهم من حيث لا نشعر بأنهم يتقون.
السيدة تكتم:
عرفنا مما مر أن الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام) – والد السيدة المعصومة – هو أحد الأئمة المعصومين من أهل البيت (عليهم السلام) وإليه تنتمي السلالة الموسوية، ولا بد لنا من التعرف على أم السيدة المعصومة لنتمكن من الخروج بصورة واضحة عن الجو الذي عاشت فيه هذه السيدة الجليلة، والبيت الذي تلقت فيه تربيتها فإن للأب والأم


(١) عالج سماحة الأستاذ آية الله الشيخ مسلم الداوري دام ظله مسألة التقية بجميع أبعادها على ضوء المعطيات الشرعية والضوابط العقلية في دراسة مستوعبة ناضجة لم يسبق لها نظير في محاضراته الفقهية العليا فخرجت في ثلاثة أجزاء تحت عنوان ” التقية في فقه أهل البيت (عليهم السلام) ” بقلم المؤلف.

(٢٣)

شاهد أيضاً

کل فصل دراسي في الحوزة “خندق للدفاع عن العقائد”

وكالة الحوزة – دعا آية الله عليرضا الأعرافي، مدير الحوزات العلمية في إيران، إلى تبني ...